شباب جامعي يقرأ المستقبل على مدرج الطائرات ..... وينتظر حلو

على الرغم من سعيهم اللاهث, للتسلق على أول طائرة تقلّهم إلى هناك,
وهناك ليس مكانا آخر سوى ( بعيدا عن هنا ), غير أنّ ذهول ملامحهم حين كانوا يودّعون صديقهم, جمّدت حيوية الهروب المشتعلة في الدماء, لدرجة أن أحدهم لم يتجرأ على القول عقبالنا بعض الدموع التي امتزجت بهواء دمشق الملوّث, كانت كافية لإنعاش التردّد في أنفسهم, بعض الطقوس التي تذكرها كل منهم حين قبضوا على يد الخائن المسافر كانت كافية لطرح السؤال الذي يبتلع كل الأسئلة: ماذا بعد ? .‏
فيروس السفر... إيدز الوطن!!‏
وليد المسافر لم يكترث كثيرا للسؤال حول ( فيروس السفر, فاختصر إجابته قائلاً ) لا تطلب مني أن أحاسب نفسي على حلم سعيت إليه طويلا ثم وبقدرة قادر تحقق, أنا أترك هنا أهلي وأصدقائي وذكريات رائعة, لكني لا أتجرأ على محاسبة نفسي ! ). اللهجة الحازمة التي تحدث بها وليد, قطعت الطريق على أي استفسار آخر, وكان من الجيد أن يكمل شادي بعبارة تفاجأ هو نفسه بها ) فيروس السفر.... إيدز الوطن ). يرسم شادي ابتسامة هازئة على وجهه, يعدّل بها تلك الخطابية التي باغتنا بها, ثم يتابع ) السفر ليس خيارا ترفيهيا, السفر بالنسبة لنا هو شكل من أشكال الهرب) وعندما يكون السؤال عن الأرباح والخسائر, يعترف علي أن هناك خسائر كبيرة تترتب على من اختار السفر, ويستدرك قائلا ) لكن لا تعتقد أن هذه الخسائر مرتبطة بأشياء كبيرة مثل العمل أو النجاح, على العكس هي مرتبطة تماما بمسائل أو بمتع صغيرة جدا, ليس أقلها بالطبع كأس ( المتّة ) الصباحي ). أما عروة المولع بالحديث عن المتع الصغيرة كونه (ذاق الأمرّين ) بسفر غير موفق فيقول ( لا أحد يموت من الجوع لكن في وطنك فقط, في الغربة الموت من الجوع ممكن جدا, والسبب بسيط فهناك لا‏
وجود لأصدقاء . هذه القسوة في وصف الغربة, تثير في نفس شادي شيئا من الحساسية, فيصف رأي عروة بالسوداوي ثم يضيف وبخطابية أقل حدّة من الأولى : يا جماعة ليس السؤال لماذا نريد السفر? بل لماذا علينا أن نبقى ? . قوبل التطرف الذي أبداه شادي بالصمت, الصمت الذي يوحي بخضوع تام لتطرف الواقع !.‏
وماذا بعد ?‏
يقطع دخول عارف هذا الصمت, ليتساءل بدوره عن جدوى البقاء هنا ), ثم يعود إلى الحديث عن المتع الصغيرة, ولكن تلك التي يعيشها المرء هناك ), و يضي) ربما نخسر الكثير بالسفر, ولكن بالمقابل سنربح الكثير, سنربح العيش الذي لا يعكّره أو حتى يدّمره لاءات لاتنتهي, سنربح العيش في مناخ يحدد القانون فيه طبيعة علاقاتك بالآخرين, لا الواسطة والمحسوبية, سنتخلص على الأقل من المطبّات الكثيرة التي نجدها في طرقنا!! ).‏
بعد ذلك, يغرق الشباب في حسابات المستقبل, ويقرؤون مراحل حياتهم بأعلى مستوى من التهكّم, يقول شادي ) الحسبة بسيطة, تنتهي من مأساة الجامعة ليواجهك غول الجيش, تنتهي من هذا الأخير لتبدأ بحثك المضني عن عمل يوفر لك الحد الأدنى من كرامة العيش ولكن..... ). الأمور التي أسقطها شادي من حساباته, كونها لا تعنيه, مثل الزواج والبيت...الخ, يضيفها علي إلى القائمة, وينهي وليد جلسة الرياضيات هذه, بإضافة كم الألم والتعب والإرهاق النفسي والجسدي, الذي يصيب المرء خلال ( صعوده إلى جلجلته ). النتيجة المرعبة التي توصل إليها الشباب لا تمنعهم من التحدث بها; يختصرها أحدهم قائلا ) هنا يموت المرء, في نفس اللحظة التي يتبنى فيها فكرة الحياة !).‏